ذكر منشأ عيسى بن مريم عليهما السلام
قد ذكرنا أنه ولد ببيت لحم قريباً من بيت المقدس.
وذكر وهب بن منبه أنه لما خرت الأصنام يومئذ في مشارق الأرض
ومغاربها، وأن الشياطين حارت في سبب ذلك حتى كشف لهم إبليس
الكبير أمر عيسى فوجدوه في حجر أمه والملائكة محدقة به، وأنه
ظهر نجم عظيم في السماء وأن ملك الفرس أشفق من ظهوره
فسأل الكهنة عن ذلك فقالوا: هذا لمولد عظيم في الأرض. فبعث
رسله ومعهم ذهب ومر ولبان هدية إلى عيسى
فلما قدموا الشام سألهم ملكها عما أقدمهم فذكروا له ذلك،
فسأل عن ذلك الوقت فإذا قد ولد فيه عيسى بن مريم ببيت
المقدس واشتهر أمره بسبب كلامه في المهد فأرسلهم إليه بما
معهم وأرسل معهم من يعرفه له ليتوصل إلى قتله إذا انصرفوا
عنه، فلما وصلوا إلى مريم بالهدايا ورجعوا قيل لها إن رسل
ملك الشام إنما جاءوا ليقتلوا ولدك. فاحتملته فذهبت به إلى
مصر، فأقامت به حتى بلغ عمره اثنتي عشرة سنة، وظهرت عليه
كرامات ومعجزات في حال صغره
عن ابن عباس قال: وكان عيسى يرى العجائب في صباه إلهاماً من
الله، ففشا ذلك في اليهود وترعرع عيسى، فهمت به بنو إسرائيل،
فخافت أمه عليه، فأوحى الله إلى أمه أن تنطلق به إلى أرض مصر،
قال لنا إدريس عن جده وهب بن منبه، قال: إن عيسى لما بلغ ثلاث
عشرة سنة أمره الله أن يرجع من بلاد مصر إلى بيت إيليا قال
فقدم عليه يوسف ابن خال أمه فحملهما على حمار حتى جاء بهما
إلى إيليا وأقام بها حتى أحدث الله له الإنجيل وعلمه التوراة
وأعطاه إحياء الموتى وإبراء الأسقام والعلم بالغيوب مما
يدخرون في بيوتهم وتحدث الناس بقدومه وفزعوا لما كان يأتي من
العجائب، فجعلوا يعجبون منه فدعاهم إلى الله ففشا فيهم أمره.
من نعم الله على عيسى
وقال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابن
مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ
النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ
وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا
فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى
بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إسرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ، وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى
الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا
مُسْلِمُونَ}.
فكان أول ما أحيا من الموتى أنه مرّ ذات يوم على امرأة قاعدة
عند قبر وهي تبكي فقال لها: مالك، أيتها المرأة؟ فقالت:
ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها، وإني عاهدت ربي أن لا
أبرح من موضعي هذا حتى أذوق ما ذاقت من الموت أو يحييها الله
لي فأنظر إليها. فقال لها عيسى: أرأيت إن نظرت إليها أراجعة
أنت؟ قالت: نعم. قالوا فصلى ركعتين، ثم جاء فجلس عند القبر
فنادى: يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي. قال: فتحرك القبر
ثم نادى الثانية فانصدع
القبر بإذن الله؛ ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من
التراب، فقال لها عيسى: ما أبطأ بك عني؟ فقالت: لما جاءتني
الصيحة الأولى بعث الله لي ملكاً فركب خلقي، ثم جاءتني الصيحة
الثانية فرجع إليَّ روحي، ثم جاءتني الصيحة الثالثة فخفت أنها
صيحة القيامة فشاب رأسي وحاجباي وأشفار عيني من مخافة
القيامة، ثم أقبلت على أمها فقالت: يا أماه ما حملك على أن
أذوق كرب الموت مرتين، يا أماه اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في
الدنيا، يا روح الله وكلمته، سل ربي أن يردني إلى الآخرة وأن
يهون علي كرب الموت. فدعا ربه فقبضها إليه واستوت عليها
الأرض.
فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضباً.
وقدمنا في عقب قصة نوح أن بني إسرائيل سألوه أن يحيي لهم سام
بن نوح فدعا الله عز وجل وصلى الله فأحياه الله لهم فحدثهم عن
السفينة وأمرها ثم دعا فعاد تراباً.
وقد روى السدي عن أبي صالح وأبي مالك، عن ابن عباس في خبر
ذكره وفيه أن ملكاً من ملوك بني إسرائيل مات وحمل على سريره
فجاء عيسى عليه السلام فدعا الله عز وجل فأحياه الله عز وجل،
فرأى الناس أمراً هائلاً ومنظراً عجيباً.
بشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم
وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يَا بَنِي إسرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ
اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي
مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ،
فعيسى عليه السلام هو خاتم أنبياء بني إسرائيل وقد قام فيهم
خطيباً فبشره بخاتم الأنبياء الآتي بعده ونوه باسمه وذكر لهم
صفته ليعرفوه ويتابعوه إذا شاهدوه. إقامة للحجة عليهم
وإحساناً من الله إليهم كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ
النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ
يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ
أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}.
عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا:
يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: "دعوة أبي إبراهيم وبشرى
عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور
بصرى من أرض الشام".
ذكر خبر المائدة
قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ
رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ
مُؤْمِنِينَ، قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ
صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ، قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ اللَّهُمَّ
رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا
وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ، قَالَ اللَّهُ إِنِّي
مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابا لا أُعَذِّبُهُ
أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ}.
ومضمون ذلك: أن عيسى عليه السلام أمر الحواريين بصيام ثلاثين
يوماً، فلما أتموها سألوا من عيسى إنزال مائدة من السماء
عليهم ليأكلوا منها وتطمئن بذلك قلوبهم أن الله قد تقبل
صيامهم وأجابهم إلى طلبتهم، وتكون لهم عيداً يفطرون عليها
يوم فطرهم وتكون كافية لأولهم وآخرهم لغنيهم وفقيرهم. فوعظهم
عيسى عليه السلام في ذلك وخاف عليهم أن لا يقوموا بشكرها ولا
يؤدوا حق شروطها فأبوا عليه إلا أن يسأل لهم ذلك من ربه عز
وجل.
فلما لم يقلعوا عن ذلك قام إلى مصلاه ولبس مسحاً من شعر
وصف بين قدميه وأطرق رأسه وأسبل عينيه بالبكاء وتضرع إلى الله
في الدعاء والسؤال أن يجابوا إلى ما طلبوا.
فأنزل الله تعالى المائدة من السماء والناس ينظرون إليها تنحدر
بين غمامتين، وجعلت تدنوا قليلاً قليلاً، وكلما دنت سأل عيسى
ربه عز وجل أن يجعلها رحمة لا نقمة وأن يجعلها بركة وسلامة
فلم تزل تدنوا حتى استقرت بين يدي عيسى عليه السلام وهي
مغطاة بمنديل فقام عيسى يكشف عنها وهو يقول "بسم الله خير
الرازقين" فإذا عليها سبعة من الحيتان وسبعة أرغفة ويقال:
وخل. ويقال: ورمان وثمار، ولها رائحة عظيمة جداً، قال الله لها
كوني فكانت.
ثم أمرهم بالأكل منها، فقالوا: لا نأكل حتى تأكل فقال: إنكم
الذين ابتدأتم السؤال لها. فأبوا أن يأكلوا منها ابتداءً،
فأمر الفقراء والمحاويج والمرضى والزمنى وكانوا قريباً من
ألف وثلاثمائة فأكلوا منها فبرأ كل من به عاهة أو آفه أو مرض
مزمن، فندم الناس على ترك الأكل منها لما رأوا من إصلاح حال
أولئك. ثم قيل إنها كانت تنزل كل يوم مرة فيأكل الناس منها،
يأكل آخرهم كما يأكل أولهم حتى قيل أنها كان يأكل منها نحو
سبعة آلاف.
ثم كانت تنزل يوماً بعد يوم، كما كانت ناقة صالح يشربون لبنها
يوماً بعد يوم. ثم أمر الله عيسى أن يقصرها على الفقراء أو
المحاويج دون الأغنياء، فشق ذلك على كثير من الناس وتكلم
منافقوهم في ذلك، فرفعت بالكلية ومسخ الذين تكلموا في ذلك
خنازير.
عن عمار بن ياسر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت
المائدة من السماء خبز ولحم وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا
ولا يرفعوا لغد، فخانوا وادخروا ورفعوا، فمسخوا قردة وخنازير.
فإن العلماء اختلفوا في المائدة: هل نزلت أم لا؟ فالجمهور
أنها نزلت كما دلت عليه هذه الأثار كما هو المفهوم من ظاهر
سياق القرآن ولا سيما قوله: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} كما قرره ابن
جرير والله أعلم.
رفع عيسى الى السماء
{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى
إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ
اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
وقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ
الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا
بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً، وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً
عَظِيماً، وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ
وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ
لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ
يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً، وَإِنْ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ
شَهِيداً}.
فأخبر تعالى أنه رفعه إلى السماء بعد ما توفاه بالنوم على
الصحيح المقطوع به، وخلصه ممن كان أراد أذيته من اليهود
الذين وشوا به إلى بعض الملوك الكفرة في ذلك الزمان.
قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق: كان اسمه داوود بن نورا
فأمر بقتله وصلبه، فحصروه في دار ببيت المقدس، وذلك عشية
الجمعة ليلة السبت، فلما حان وقت دخولهم ألقى شبهه على بعض
أصحابه الحاضرين عنده ورفع عيسى من روزنة من ذلك البيت إلى
السماء، وأهل البيت ينظرون، ودخل الشرط فوجدوا ذلك الشاب
الذي ألقي عليه شبهه فأخذوه ظانين أنه عيسى فصلبوه ووضعوا
الشوك على رأسه إهانة له، وسلم لليهود عامة النصارى الذين لم
يشاهدوا ما كان من أمر عيسى أنه صلب وضلوا بسبب ذلك ضلالاً
مبيناً كثيراً فاحشاً بعيداً.
و أخبر تعالى بقوله: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ
مَوْتِهِ} أي بعد نزوله إلى الأرض في آخر الزمان قبل قيام
الساعة، فإنه ينزل ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية
ولا يقبل إلا الإسلام،
، عن ابن عباس، قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء
خرج على أصحابه وفي البيت
اثنا عشر رجلاً منهم من الحواريين، يعني فخرج عليهم من عين في
البيت ورأسه يقطر ماء فقال: إن منكم من يكفر بي اثني عشرة
مرة بعد أن آمن بي، ثم قال: أيكم يُلقى عليه شبهي فيقتل
مكاني فيكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سناً فقال له:
اجلس. ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال: أنا، فقال: أنت هو
ذاك. فأُلقي عليه شبه عيسى، ورُفع عيسى من روزنة في البيت إلى
السماء.
قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه
فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به وافترقوا ثلاث
فرق، فقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى
قد ذكرنا أنه ولد ببيت لحم قريباً من بيت المقدس.
وذكر وهب بن منبه أنه لما خرت الأصنام يومئذ في مشارق الأرض
ومغاربها، وأن الشياطين حارت في سبب ذلك حتى كشف لهم إبليس
الكبير أمر عيسى فوجدوه في حجر أمه والملائكة محدقة به، وأنه
ظهر نجم عظيم في السماء وأن ملك الفرس أشفق من ظهوره
فسأل الكهنة عن ذلك فقالوا: هذا لمولد عظيم في الأرض. فبعث
رسله ومعهم ذهب ومر ولبان هدية إلى عيسى
فلما قدموا الشام سألهم ملكها عما أقدمهم فذكروا له ذلك،
فسأل عن ذلك الوقت فإذا قد ولد فيه عيسى بن مريم ببيت
المقدس واشتهر أمره بسبب كلامه في المهد فأرسلهم إليه بما
معهم وأرسل معهم من يعرفه له ليتوصل إلى قتله إذا انصرفوا
عنه، فلما وصلوا إلى مريم بالهدايا ورجعوا قيل لها إن رسل
ملك الشام إنما جاءوا ليقتلوا ولدك. فاحتملته فذهبت به إلى
مصر، فأقامت به حتى بلغ عمره اثنتي عشرة سنة، وظهرت عليه
كرامات ومعجزات في حال صغره
عن ابن عباس قال: وكان عيسى يرى العجائب في صباه إلهاماً من
الله، ففشا ذلك في اليهود وترعرع عيسى، فهمت به بنو إسرائيل،
فخافت أمه عليه، فأوحى الله إلى أمه أن تنطلق به إلى أرض مصر،
قال لنا إدريس عن جده وهب بن منبه، قال: إن عيسى لما بلغ ثلاث
عشرة سنة أمره الله أن يرجع من بلاد مصر إلى بيت إيليا قال
فقدم عليه يوسف ابن خال أمه فحملهما على حمار حتى جاء بهما
إلى إيليا وأقام بها حتى أحدث الله له الإنجيل وعلمه التوراة
وأعطاه إحياء الموتى وإبراء الأسقام والعلم بالغيوب مما
يدخرون في بيوتهم وتحدث الناس بقدومه وفزعوا لما كان يأتي من
العجائب، فجعلوا يعجبون منه فدعاهم إلى الله ففشا فيهم أمره.
من نعم الله على عيسى
وقال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابن
مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ
النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ
وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا
فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى
بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إسرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ، وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى
الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا
مُسْلِمُونَ}.
فكان أول ما أحيا من الموتى أنه مرّ ذات يوم على امرأة قاعدة
عند قبر وهي تبكي فقال لها: مالك، أيتها المرأة؟ فقالت:
ماتت ابنة لي لم يكن لي ولد غيرها، وإني عاهدت ربي أن لا
أبرح من موضعي هذا حتى أذوق ما ذاقت من الموت أو يحييها الله
لي فأنظر إليها. فقال لها عيسى: أرأيت إن نظرت إليها أراجعة
أنت؟ قالت: نعم. قالوا فصلى ركعتين، ثم جاء فجلس عند القبر
فنادى: يا فلانة قومي بإذن الرحمن فاخرجي. قال: فتحرك القبر
ثم نادى الثانية فانصدع
القبر بإذن الله؛ ثم نادى الثالثة فخرجت وهي تنفض رأسها من
التراب، فقال لها عيسى: ما أبطأ بك عني؟ فقالت: لما جاءتني
الصيحة الأولى بعث الله لي ملكاً فركب خلقي، ثم جاءتني الصيحة
الثانية فرجع إليَّ روحي، ثم جاءتني الصيحة الثالثة فخفت أنها
صيحة القيامة فشاب رأسي وحاجباي وأشفار عيني من مخافة
القيامة، ثم أقبلت على أمها فقالت: يا أماه ما حملك على أن
أذوق كرب الموت مرتين، يا أماه اصبري واحتسبي فلا حاجة لي في
الدنيا، يا روح الله وكلمته، سل ربي أن يردني إلى الآخرة وأن
يهون علي كرب الموت. فدعا ربه فقبضها إليه واستوت عليها
الأرض.
فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضباً.
وقدمنا في عقب قصة نوح أن بني إسرائيل سألوه أن يحيي لهم سام
بن نوح فدعا الله عز وجل وصلى الله فأحياه الله لهم فحدثهم عن
السفينة وأمرها ثم دعا فعاد تراباً.
وقد روى السدي عن أبي صالح وأبي مالك، عن ابن عباس في خبر
ذكره وفيه أن ملكاً من ملوك بني إسرائيل مات وحمل على سريره
فجاء عيسى عليه السلام فدعا الله عز وجل فأحياه الله عز وجل،
فرأى الناس أمراً هائلاً ومنظراً عجيباً.
بشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم
وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يَا بَنِي إسرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ
اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي
مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ،
فعيسى عليه السلام هو خاتم أنبياء بني إسرائيل وقد قام فيهم
خطيباً فبشره بخاتم الأنبياء الآتي بعده ونوه باسمه وذكر لهم
صفته ليعرفوه ويتابعوه إذا شاهدوه. إقامة للحجة عليهم
وإحساناً من الله إليهم كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ
النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ
يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ
أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}.
عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا:
يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: "دعوة أبي إبراهيم وبشرى
عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور
بصرى من أرض الشام".
ذكر خبر المائدة
قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ
رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ
مُؤْمِنِينَ، قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ
صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ، قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ اللَّهُمَّ
رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا
وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ، قَالَ اللَّهُ إِنِّي
مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابا لا أُعَذِّبُهُ
أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ}.
ومضمون ذلك: أن عيسى عليه السلام أمر الحواريين بصيام ثلاثين
يوماً، فلما أتموها سألوا من عيسى إنزال مائدة من السماء
عليهم ليأكلوا منها وتطمئن بذلك قلوبهم أن الله قد تقبل
صيامهم وأجابهم إلى طلبتهم، وتكون لهم عيداً يفطرون عليها
يوم فطرهم وتكون كافية لأولهم وآخرهم لغنيهم وفقيرهم. فوعظهم
عيسى عليه السلام في ذلك وخاف عليهم أن لا يقوموا بشكرها ولا
يؤدوا حق شروطها فأبوا عليه إلا أن يسأل لهم ذلك من ربه عز
وجل.
فلما لم يقلعوا عن ذلك قام إلى مصلاه ولبس مسحاً من شعر
وصف بين قدميه وأطرق رأسه وأسبل عينيه بالبكاء وتضرع إلى الله
في الدعاء والسؤال أن يجابوا إلى ما طلبوا.
فأنزل الله تعالى المائدة من السماء والناس ينظرون إليها تنحدر
بين غمامتين، وجعلت تدنوا قليلاً قليلاً، وكلما دنت سأل عيسى
ربه عز وجل أن يجعلها رحمة لا نقمة وأن يجعلها بركة وسلامة
فلم تزل تدنوا حتى استقرت بين يدي عيسى عليه السلام وهي
مغطاة بمنديل فقام عيسى يكشف عنها وهو يقول "بسم الله خير
الرازقين" فإذا عليها سبعة من الحيتان وسبعة أرغفة ويقال:
وخل. ويقال: ورمان وثمار، ولها رائحة عظيمة جداً، قال الله لها
كوني فكانت.
ثم أمرهم بالأكل منها، فقالوا: لا نأكل حتى تأكل فقال: إنكم
الذين ابتدأتم السؤال لها. فأبوا أن يأكلوا منها ابتداءً،
فأمر الفقراء والمحاويج والمرضى والزمنى وكانوا قريباً من
ألف وثلاثمائة فأكلوا منها فبرأ كل من به عاهة أو آفه أو مرض
مزمن، فندم الناس على ترك الأكل منها لما رأوا من إصلاح حال
أولئك. ثم قيل إنها كانت تنزل كل يوم مرة فيأكل الناس منها،
يأكل آخرهم كما يأكل أولهم حتى قيل أنها كان يأكل منها نحو
سبعة آلاف.
ثم كانت تنزل يوماً بعد يوم، كما كانت ناقة صالح يشربون لبنها
يوماً بعد يوم. ثم أمر الله عيسى أن يقصرها على الفقراء أو
المحاويج دون الأغنياء، فشق ذلك على كثير من الناس وتكلم
منافقوهم في ذلك، فرفعت بالكلية ومسخ الذين تكلموا في ذلك
خنازير.
عن عمار بن ياسر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت
المائدة من السماء خبز ولحم وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا
ولا يرفعوا لغد، فخانوا وادخروا ورفعوا، فمسخوا قردة وخنازير.
فإن العلماء اختلفوا في المائدة: هل نزلت أم لا؟ فالجمهور
أنها نزلت كما دلت عليه هذه الأثار كما هو المفهوم من ظاهر
سياق القرآن ولا سيما قوله: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} كما قرره ابن
جرير والله أعلم.
رفع عيسى الى السماء
{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى
إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ
اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
وقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ
الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا
بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً، وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً
عَظِيماً، وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ
وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ
لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ
يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً، وَإِنْ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ
شَهِيداً}.
فأخبر تعالى أنه رفعه إلى السماء بعد ما توفاه بالنوم على
الصحيح المقطوع به، وخلصه ممن كان أراد أذيته من اليهود
الذين وشوا به إلى بعض الملوك الكفرة في ذلك الزمان.
قال الحسن البصري ومحمد بن إسحاق: كان اسمه داوود بن نورا
فأمر بقتله وصلبه، فحصروه في دار ببيت المقدس، وذلك عشية
الجمعة ليلة السبت، فلما حان وقت دخولهم ألقى شبهه على بعض
أصحابه الحاضرين عنده ورفع عيسى من روزنة من ذلك البيت إلى
السماء، وأهل البيت ينظرون، ودخل الشرط فوجدوا ذلك الشاب
الذي ألقي عليه شبهه فأخذوه ظانين أنه عيسى فصلبوه ووضعوا
الشوك على رأسه إهانة له، وسلم لليهود عامة النصارى الذين لم
يشاهدوا ما كان من أمر عيسى أنه صلب وضلوا بسبب ذلك ضلالاً
مبيناً كثيراً فاحشاً بعيداً.
و أخبر تعالى بقوله: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ
مَوْتِهِ} أي بعد نزوله إلى الأرض في آخر الزمان قبل قيام
الساعة، فإنه ينزل ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية
ولا يقبل إلا الإسلام،
، عن ابن عباس، قال: لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء
خرج على أصحابه وفي البيت
اثنا عشر رجلاً منهم من الحواريين، يعني فخرج عليهم من عين في
البيت ورأسه يقطر ماء فقال: إن منكم من يكفر بي اثني عشرة
مرة بعد أن آمن بي، ثم قال: أيكم يُلقى عليه شبهي فيقتل
مكاني فيكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سناً فقال له:
اجلس. ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال: أنا، فقال: أنت هو
ذاك. فأُلقي عليه شبه عيسى، ورُفع عيسى من روزنة في البيت إلى
السماء.
قال: وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه
فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به وافترقوا ثلاث
فرق، فقالت طائفة: كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى